يوبا الثاني - جوبا الثاني: الملك الأمازيغي المثقف الذي أظهر ولاءه لروما
تقديم:
يُعد يوبا الثاني المعروف أيضا باسم "جوبا الثاني" واحدا من أهم الشخصيات التاريخية البربرية التي حكمت مملكة موريطانيا، حيث ازدهرت هذه الأخيرة بعهده وعرفت تطورا كبيرا في عدة مجالات.
+فمن هو يوبا الثاني؟
+وما إنجازاته السياسية الدولية؟
+وكيف كان ولاء جوبا الثاني للإمبراطورية الرومانية؟
+وما الإسهامات التي قدمها في مجالات العلوم الثقافة والفن؟
+ وما الإتهامات التي وُجهت لجوبا الثاني؟
من هو يوبا الثاني:
التعريف بشخصية يوبا الثاني:
يعد يوبا الأول من بين أهم الشخصيات التاريخية البربرية القديمية، فهو ابن يوبا الأول "جوبا الأول" والذي كان آخر حكام مملكة نوميديا قبل أن تصبح مستعمرة رومانية، حيث كان يوبا الأول مقاوما لهذا الإحتلال ورافضا له... وتولى يوبا الثاني حكم موريطانيا وجعل مدينة شرشال الواقعة في الجزائر حاليا هي عاصمة مملكة موريطانيا.
معلومات عن جوبا الثاني:
وُلد جوبا الثاني بن جوبا الأول بن هيمصال الثاني بن غودا بن مستنبعل بن ماسينيسا بمدينة هيبون (عنابة)، بمملكة نوميديا
سنة 52 ق.م، وتوفي سنة 23 ق.م، بتيبازة الموريطنية، ويُعد سبب وفاته مجهولا، ومن ألقابه يوبا العظيم وأيضا الملك العالم، حيث كان جوبا الثاني شخصية تاريخية مثقفة، حيث أنه كان يتحدث الامازيغية والاغريقية كما أنه كان وثنيا الديانة، وتزوج من كليوباترا سيليني الثانية، وأنجب منها ابنه بطليموس الموريطاني الذي سيخلف أباه لا حقا بعد موته.
نشأة يوبا الثاني وتوليه لحكم موريتانيا:
عند وفاة أبيه يوبا الأول ترك ابنه يوبا الثاني صغيرا بين الخمس والسبع سنوات، وبذلك أخذه الإمبراطور القيصر أوكتافيوس الصغير يوبا الثاني وذهب به للقصر الملكي، حيث عاش هناك حياته بالقصر، ومن حيث تعليمه فقد تعلم من العلوم، الفنون، الآداب وشؤون الحكم والتسيير في مدارس روما ومعاهدها.
تمثال للملك يوبا الثاني |
وبفضل مكانته الرفيعة لدى الإمبراطور الروماني أوكتافيوس، تمّ تنصيب يوبا الثاني على عرش مملكة موريطانيا سنة 25 قبل الميلاد بمباركة روما، وهكذا حكم الملك النوميدي لمدة نصف قرن تحت الحماية الرومانية بكل حكمة واقتدار.
وعُرف عهد يوبا الثاني بالاستقرار والرخاء، إلى أن توفي سنة 23 ميلادية، تاركاً العرش لابنه بطليموس الذي واصل جهود والده في توحيد القبائل الأمازيغية وتلبية تطلعات شعبه ومطالبهم.
إنجازات جوبا الثاني الشخصية:
جوبا الثاني، ملك أمازيغي مثقف بارز، حقق إنجازات هامة، حيث أظهر اهتمامًا بالعلوم بفضل تعليمه في المدارس الرومانية واليونانية، وقام برحلات استكشافية إلى جزر الكناري وجبال الأطلس للبحث عن منبع النيل، وجلب تماسيح من رحلته لإثبات نظرياته العلمية، كم أنه أقام مكتبة ضخمة في عاصمته شرشال وكتب موسوعة عن الرحلات والموسيقى بعنوان "أرابيكا"، هذا على الرغم من عدم قيامه بإصلاحات سياسية كبيرة، إلا أنه نفذ قرارات الحكومة الرومانية.
زواج يوبا الثاني من كليوباترا سليني الثانية:
تزوج يوبا الثاني من الأميرة كليوباترا سليني الثانية ابنة الملك أنطوان ملك مصر وزوجته كايوباتر، ويمكن القول أن قصة زواج يوبا الثاني كانت بمساعدة "كايوس قيصر" ولي عهد الإمبراطورية الرومانية آنذاك والذي اصطحبه للشرق وزوجه هناك من الأميرة كليوباترا، وقد أنجبت كليوباترا سليني طفلا له وهو بطليموس والذي سيصبح خليفة أباه بالحكم سنة 23 م.
مدفن يوبا الثاني:
بعد وفاة الملك يوبا الثاني، تم دفنه في المقبرة الملكية بموريتانيا بجانب زوجته كليوباترا سليني، والتي تقع حاليًا في مدينة تيبازة غرب الجزائر العاصمة، وتُعرف باسم "قبر الرومية"، وهي عبارة عن هرم مستدير مميز يجمع بين العمارة الإغريقية والمصرية القديمة والأسلوب المعماري الأمازيغي، ويُعدّ من معالم التراث العالمي الهامة.
مدفن يوبا الثاني |
الإنجازات السياسية الدولية ليوبا الثاني:
بفضل مجهودات يوبا الثاني وبعده مجهودات ابنه بطليموس من توحيد قبائل موريتانية أمازيغية كثيرة تحت راية مملكة واسعة المساحة، وتنقسم إلى: موريطانيا القيصرية، وموريطانيا الطنجية، ومن أهم المدن التي كانت تابعة لنفوذ الملك يوبا الثاني يمكننا ذكر: طنجيس، سبتة، توكولوسيدا، بوماريا، ليكسوس وزيليس...، كما وتمكن يوبا الثاني من صنع عملة خاصة لموريطانيا بعهده.
عملة موريطانيا بعده يوبا الثاني |
ولاء جوبا الثاني للإمبراطورية الرومانية:
جوبا الثاني، الملك الأمازيغي، كان له ولاء قوي تجاه الإمبراطورية الرومانية خلال فترة حكمه، حيث كان يروج للتعاون والتحالف مع الرومان، وكانت له علاقات وثيقة مع الإمبراطورية الرومانية، خصوصا وأن جوبا الثاني درس في المدارس الرومانية والتي أثرت على رؤيته وأفكاره السياسية والإجتماعية.
وفي سياق الولاء للإمبراطورية الرومانية، قدم جوبا الثاني الدعم والمساهمة للجيوش الرومانية في عدة حملات عسكرية، حيث قدم القوات والجنود من موريطانيا للمساعدة في تعزيز نفوذ الرومان والحفاظ على استقرار الإمبراطورية، كما أنه كان يُعتبر أكبر حليف الإمبراطورية، فهو تربى على يد الرومان، وبفضلهم تولى حكم موريطانيا، حيث أجلسه الإمبراطور الروماني أوكتافيوس على عرش موريطانيا...
تمثال للملك جوبا الثاني |
ومن خلال هذا يتبين لنا أن موريطانيا بعده جوبا الثاني كانت خاضعة للوصاية الرومانية، ذلك بعد الخير الذي قدمته الإمبراطورية الرومانية جوبا الثاني بالقصر من تربية وتعليم وتوعية، لذلك كان ولاء جوبا الثاني للإمبراطورية الرومانية كرد جميل على ما قدمته له من عناية فائقة، وبأي حال فقد جوبا الثاني موريطانيا الطنجية وموريطانيا القيصرية تحت تسيير روما وبالنيابة عنها...
إسهامات يوبا الثاني في مجال الفن والثقافة والعلوم:
يوبا الثاني، أسهم بشكل كبير في تطور الفن والثقافة والعلوم خلال حكمه، حيث دعم ورعى العلوم والفلسفة، وأنشأ مدارسًا ومراكزًا للتعليم والبحث، ودعم العلماء والفنانين الموهوبين من جميع أنحاء العالم الأمازيغي، كما دعم الفنون التشكيلية والأدبية، وشجع على إنتاج الأعمال الفنية المبتكرة والأدب الغني بالموروث الثقافي، وبفضله، ازدهرت الثقافة والفنون في موريطانيا، وأصبحت مراكزها الثقافية محط اهتمام العديد من العلماء والفنانين والمفكرين من العالم الأمازيغي وخارجه.
ويمكن أن نعتبر أيضا أن إسهامات يوبا الثاني كانت من خلال الكتب التي كتبها والمؤلفات التي ألفها سواء في علم الآثار من خلال كتابه الشهير (آثار الرومان القديمة)، أو في مجال علوم التاريخ من خلال أشهر مواصفاته (تاريخ بلاد العرب). اهتم يوبا الثاني أيضا بكتابة مؤلفات جغرافية وأخرى علمية كانت تبين أن هذا الملك هو ملك مثقف ذو علم متنوع.
اتهامات جوبا الثاني:
إن جوبا الثاني هو شخصية تاريخية معرضة للإنتقاد والإتهامات كأي شخصية أخرى، حيث أنه ليست هنالك شخصية في التاريخ لم تتعرض لانتقادات، وجوبا الثاني لم يسلم منها، بحيث أن أبرز المؤرخين كبوكبوط يعتبر جوبا الثاني خائنا للهوية الأمازيغية وأنه لم يدافع عن حقوق الأمازيع في العديد من الشؤون التي كانت تتعارض وأوامر روما ومصالحها عكس أبيه وأجداده الذين كانوا يقفون دائما ضد روما وأطماعها بإفريقيا.
ومن خلال كلام بوكبوط يظهر لنا أن جوبا الثاني كان طائعا وخادما لأوامر الرومان اكثر مما يخدم شعبه وقضيته الأمازيغية، وبالتالي وحسب رأي مؤرخنا فإن جوبا الثاني خائن للمبادئ الأمازيغية الكبرى التي عُرف بها معظم ملوك الأمازيغ كالحرية والإستقلال والسيادة والوحدة...، يرجى الإشارة إلى أن ليوبا الثاني العديد من المنتقدبن الكارهين له إلا أن بوكبوط هو أبرزهم.
خاتمة:
وختاما يمكننا القول أن يوبا الثاني كان ملكا أمازيغيا مثقفا ومن أبرز من حكموا موريطانيا، ولولا الظغوط الرومانية وولاءه الرومان لحقوق إنجازات أكبر وأكثر، مما حققه سياسيا واقتصاديا، وفي الأخير فإن أبرز الموردين يعتبرون جوبا الثاني عالما مثقفا موسوعيا أكثر من ملك حاكم سياسي.