مملكة نوميديا الشرقية: التأسيس وتوحيد مملكتي ماسيلي وماسيسيليا
تقديم:
تعد مملكة نوميديا الشرقية من بين أقوى وأهم الممالك الأمازيغية بشمال إفريقيا، حيث شهدت العديد من الأحداث والتطورات عبر عصورها المختلفة، وقد مرت بمراحل التأسيس والإزدهار وبعدها ستصبح مملكة واحدة موحدة بالإضافة إلى مملكة نوميديا الغربية والتي تسمى أيضا باسم ماسيسيليا.
+فما مملكة نوميديا الشرقية المعروفة أيضا باسم ماسيلي؟
+ومن أهم أبرز حكامها؟
+وكيف استطاع ماسينيسا توحيد نوميديا الشرقية والغربية؟
ما مملكة نوميديا الشرقية:
تأسيس نوميديا الشرقية: ماسيلي:
تكونت وتأسست مملكة نوميديا الشرقية والملقبة أيضا ب«ماسيلي» أو «ميسوليا» بعد توحيد بعض المناطق والقبائل الصغيرة الواقعة شرق نوميديا الغربية وغرب قرطاج بقيادة ملك واحد، وقد تم توحيد تلك المناطق والقبائل الصغيرة خلال القرن الرابع قبل الميلاد، مما أدى إلى بداية عصر مملكة نوميديا الشرقية الأمازيغية.
خريطة لشمال إفريقيا أثناء تأسيس نوميديا الشرقية |
وبذلك نستنتج أن مملكة نوميديا الشرقية و الملقبة أيضا بالماسيل (أو ماسيلي أو ميسولي) هي عبارة عن دمج وتوحيد بعض القبائل الكونفدرالية بغرب قرطاج ومن تلك القبائل يمكننا ذكر: الجيتول وموزولامي، حيث اندمجت تلك القبائل خلال القرن الرابع قبل الميلاد. وكانت مملكة ماسيسيليا جارتهم، حيث كانت تمتاز بالقوة والتنظيم.
تسميات المملكة ومعانيها:
للملكة نوميديا الشرقية العديد من الأسماء المختلفة، منها التي معناها مشتق من اللغة الأمازيغية ومنها التي تدل على العرق والموقع الجغرافية، لذا يمكن القول أن:
- "ماسيلي": هي كلمة مشتقة من اللغة الأمازيغية، وتعني "أسياد البحر". الجذر الأول "ماس" يعني "السيد"، بينما الجذر الثاني "ييل" يعني "البحر". في اللهجة الأمازيغية الشاوية، تنطق الكلمة "ماس ن ييل"، مما يعني "أسياد البحر".
- "نوميديا الشرقية": هذا الإسم يشير إلى الموقع الجغرافي للمملكة، حيث كانت تقع في الجزء الشرقي من منطقة نوميديا. يُعتقد أن "نوميديا" قد يكون مشتقًا من كلمة "نوماد" التي تشير إلى الحياة البدوية والتنقل والرعي، لكن لا يمكن تأكيد المعنى الحقيقي لهذه الكلمة بسبب قلة المصادر المتوفرة حول هذا الموضوع.
- "مملكة الأمازيغ الشرقية": تشير هذه اللقب إلى الانتماء العرقي والثقافي لسكان المملكة، حيث كانوا من الأمازيغ، الشعب البربري الذي عاش في تلك المنطقة أما بالنسبة ل"الشرقية" فهو يعني المنطقة الجغرافية التي كانت تنتمي إليها مملكة نوميديا الشرقية.
! يرجى الإشارة إلى أن انعدام المصادر الموثوقة دفعنا لعدم توضيح معنى كلمتي "الماسيل" و "ميسوليا".
نظام الحكم بنوميديا الشرقية:
في مملكة نوميديا الشرقية، ساد نظام حكم ملكي وراثي، وفقًا لهذا النظام، العائلة المالكة كانت تنتمي إلى جد مشترك واحد من الذكور فقط، حيث كان الملك هو الشخص الأكبر سنًا في كل العائلة الحاكمة، وعند وفاته كان يتم نقل الحكم إلى الأكبر سنًا من الأبناء، وهكذا، تم تطبيق هذا النظام فبعد وفاة "غايا" حوالي سنة 206 قبل الميلاد، أصبح "اوزالكن" أخ غايا الاكبر هو الملك بدل "ماسينيسا" الذي كان يبلغ 32 عاما وكان طبعا أصغر من «اوزالكن».
خريطة مملكة مازيسولا وماسيلا |
لذلك وبعد وفاة أوزالكن ومرة أخرى، أصبح ابنه "كابوسا" هو الحاكم فهو كان أكبر من ماسينيسا، وعند وفاة الملك "كابوسا"، كان الملك يعود بشكل قانوني ومنطقي إلى "ماسينيسا"، ولكن وبكل ظلم تدخلت "مازوطيل" ونصبت "لاكومازن" كملك، مما دفع ماسينيسا للعمل على استعادة العرش، ومن كل هذا يمكن أن نفترض أن هذا النظام الذي تم تطبيقه في "ماسيلي" قد تم تطبيقه أيضًا في مملكة ماسيسيليا والموريطانيين.
المظاهر الفنية الثقافية والدينية بمملكة نوميديا الشرقية:
كانت مملكة نوميديا الشرقية قبل توحيدها مع نوميديا الغربية تمتلك ثقافة وفنون متميزة:
- كانت اللغة الأمازيغية هي السائدة، إلى جانب استخدام اللغة البونيقية نظرًا للتأثيرات القرطاجية.
- اشتهرت المملكة بفن العمارة حيث بُنيت القصور والمعابد بأسلوب معماري متقن. مثل قصر الملك في جزيرة جربة.
قصر الملك في جزيرة جربة |
- امتازت ماسيلي بفنون النحت والزخرفة، خاصةً تماثيل ونقوش الأفيال والخيول.
- كان الخزف وصناعة الفخار متطورة، وقد عُثر على قطع فخارية جميلة مطلية باللون الأحمر النوميدي.
- صنع الحرفيون المجوهرات من الذهب والفضة على الطراز النوميدي المميز.
- احتفلت المملكة بمهرجانات ثقافية ودينية غنية بالطقوس والرقصات التقليدية.
- كانت الديانة بماسيلي خليط من عبادة الآلهة الأمازيغية القديمة مع تأثر بالديانات القرطاجية.
مملكة نوميديا الشرقية بعهد الملك ماسينيسا:
مظاهر ازدهار نوميديا الشرقية بعد ماسينيسا:
شهدت نوميديا الشرقية في عهد الملك الأمازيغي ماسينيسا ازدهاراً كبيراً على جميع الأصعدة السياسية والإقتصادية والثقافية، حيث تمكن ماسينيسا من توحيد القبائل الأمازيغية تحت راية مملكة نوميديا، وضم أراضي واسعة تمتد من جربة شرقاً إلى طنجة غرباً، كما أنه شيد العاصمة الجديدة لمملكته في مدينة سيرتا، وأنشأ بها القصور الفخمة والمعابد الضخمة ذات الطراز المعماري الأمازيغي الفريد.
خريطة نوميديا بعد توحيد ماسينيسا لها |
وقد حرص ماسينيسا على تشجيع التجارة مع قرطاجة قبل الإنقلاب عنهم ودعم الإمبراطورية الرومانية، مما جلب الثراء لماسيلي، كما اهتم الملك بتطوير الزراعة من خلال بناء السدود وحفر الأنهار، فازدهرت زراعة القمح والشعير والزيتون، وكان للجيش النوميديا أيضا دور بارز في حماية المملكة، إذ تم تدريبه على أحدث أساليب القتال، وهكذا ترك الملك ماسينيسا إرثًا حضاريًا واقتصاديًا هامًا في تاريخ مملكة نوميديا الشرقية قبل أن يكون ملك توحيد نوميديا الكاملة.
توحيد نوميديا الشرقية والغربية على يد ماسينيسا:
بعد تولي ماسينيسا الحكم سنه 202 قبل الميلاد بدأت تظهر معالم الحرب البونقية الثانية بين الرومان والقرطاجنة فحاول كل من الطرفين الرئيسيين بالحرب (روما وقرطاج) ضم الملك سيفاكس لصفوفهم بحكم أنه كان من اعظم وأعتد الحكام الأمازيغ آنذاك ولكن سيفاكس اختار أخيرا الوقوف في صف القوات القرطاجنة خصوصا وأنه كان يعلم بنوايا وأطماع روما الإستعمارية في شمال إفريقيا.
لذلك وبعد هذا طلبت القوات الرومانية مساعدة ماسينيسا وأقنعوه بمساعدتهم هذا بعد ما أغروه بامتيازات مادية وأخرى توسعية على حساب الممالك القرطاجنية، وذلك إن استطاع التغلب على سيفاكس وفازوا بالحرب، وبذلك دخل الأطراف كلهم للمعركة بنوايا وأطماع مختلفة.
الحرب البونقية الثانية بنوميديا الشرقية |
دخل ماسينيسا مع جنوده وجيوشه الحرب بكل ثقة وأعينهم على توحيد نوميديا وأن يصبح أقوى ملك أمازيغي ونوميدي، وبذلك وبعد حرب طويلة وقوية خرج ماسينسا فائزا بهذه الحرب مع روما، حيث استطاع القضاء على سيفاكس، مساعدة الرومان في القضاء على حنبعل القرطاجي بمعركة زامة سنة 202 قبل الميلاد، احتلال نوميديا الغربية، ثم توحيد مملكتي ماسيلي وماسيسيليا لمملكة نوميديا الأمازيغية...
خاتمة:
تعد مملكة نوميديا الشرقية من أهم الممالك الأمازيغية التي مرت على إفريقيا والتي ساهمت بتطوير أفريقيا وتوحيد الأمازيغ بشمال إفريقيا (مملكة ماسيلي، ومملكة نوميديا الغربية) ويعد ماسينيسا أهم الملوك الذين مروا عليها حيث عرفت مملكة نوميديا الشرقية بعهده تطورا وازدهار كبيرا ساهم بتوحيد نوميديا، لكن وبسبب الرومان ستصبح هذه الأخيرة مستعمرة رومانية في عهد يوبا الأول.